مراجعة رواية شجرتي شجرة البرتقال الرائعة:
عنوان الرواية: شجرتي شجرة البرتقال الرائعة
الكاتب: خوسيه ماورو دي فاسكونسيلوس
المترجم إلى العربية: إيناس العباسي.
مراجعة : محمد الخالدي.
عدد الصفحات: 245.
رائعة ! سأترك انطباعي ها هنا، مبتعدة عن التشويق والإثارة، انطباع سريع، ينبثق من حالة المتعة التي انتابتني على مدار القراءة، ثم الدهشة بعد الفراغ من القراءة.
وجب التنويه، أن هذه المراجعة، مراجعة فورية، جاءت بعد انتهائي من القراءة، وعليه ستحمل بعض الانفعالات الذاتية، ستتخللها قراءات مشوشة، لكن متيقنة أن صدق المراجعة نابعة من الأثر العميق الذي خلفته الرواية في.
حول رواية شجرتي شجرة البرتقال الرائعة:
الرواية لصاحبها الكاتب البرازيلي (خوسيه ماورو فاسكونسيلوس) وقد ترجمت عن العنوان الأصلي Meu pé de laranja Lima .
كتبت عام ، وتعد سيرة شبه ذاتية - إن صح القول - لصاحبها، حيث يسرد فيها طفولته، علما أن الرواية جزء من رباعية تحدث فيها الكاتب حول حياته.
لطالما أعجبتني الروايات المرتبطة بالأطفال، بأحاديث على لسان مخيلاتهم، على غرار العمل العبقري والعالمي (الأمير الصغير)، تجيء الأعمال هدنة سلام، لا تحمل في ظاهرها العديد من الأحداث، ولا تدور حول حبكة معقدة، ولا تبدو أنها تعالج قضايا ضخمة.
غير أن هذا النوع من الأعمال، يأتي محملا بشعرية التفاصيل الانسانية على فطرتها، إنه السهل الممتنع، كيف لك أن تغوص في الوجود عبر مخيلة طفل، كيف تطرق الأسئلة المستعصية عبر مخاوف الطفولة.
تكمن عبقرية هذا العمل في أنه استطاع أن يتحدث عن أعمق المشاعر الإنسانية على لسان طفل لم يتم بعد ست سنوات، عرّى تفاصيل البؤس والأسى والمخاوف والعجز والقسوة والحب والحلم كما هي على فطرتها، فقط لأن طفلا من نظر إليها وتناولها بقلب عصفور !
العنوان:
أحب الحديث حول العناوين، العتبات، لأنها تتيح لي الحديث عن التصورات التي أقحمني فيها، عن العمل الروائي المسبق الذي تشكّل برأسي.
بالنسبة لهذه الرواية، ولأنها حظيت بترشيح قوي من قبل الأصدقاء، فإن ذلك لم يمنحني براحا شاسعا لممارسة هذه الهواية، لكن، رغم ذلك استأنست بالانطباع الخفيف الذي خلفه هذا العنوان في.
لقد رأيتني معنية بهذه الشجرة، ضمير المتكلم هذا أزاح الرهبة وبث مكانها فضولا حُلواً، برغم أنه جاء ساذجا أول لنقل في غاية البساطة، إلا أنه يُشبه العمل في خفته، طفولته، انفتاحه للتأويل والقراءات.
الغلاف:
لأن رواية شجرتي شجرة البرتقال الرائعة عرفت أزيد من 35 طبعة في البرازيل وحدها وبيع منها أزيد من مائة وخمسون مليون نسخة حول العالم، فقد كان من الطبيعي أن تحظى الرواية بتصميمات مختلفة للغلاف الخارجي.
بالنسبة إلي، قرأت الرواية بنسختها العربية، وكان الغلاف من تصميم الشاعر محمد النبهان.
في الواقع، لم أحب الغلاف بقدر ما أحببت الرواية، أو بعبارة أخرى، هكذا عمل ساحر كان يليق به خيالا أكثر خصوبة، اشتهيت لو تمثّل لي عالم يشبه عالم الرواية.
على العكس من ذلك، يشبه الغلاف الكثير من الصور الهادية - ان صح القول - المنتشرة، لم تتبدى لي أي تفاصيل تعكس استثنائية الرواية.
حاولت الاطلاع على مجموعة الأغلفة التي صممت لهذه الرواية في نسخها المختلفة حول العالم، وكان الغلاف العربي أقلها سحرا !
وأؤكد على السحر هنا، لأن هذه الرواية محمّلة بجزء عظيم من خيال الطفولة، وكان من اللازم استحضار مشهديتها في الغلاف.
اختيار اللون البرتقالي لم يكن موفقا، لأنه طغى على نحو باهت، ظل الطفل الأسود يحيل لمعاني فقيرة على عكس دوره الجوهري في العمل الإبداعي.
لست بصدد قراءة نقدية سيميائية للغلاف، لكن مراجعتي للرواية لم تسمح لي بتجاهل هكذا عثرة كان لابد من الإشارة إليها.
أحداث الرواية:
"زيزا " !
كل شيء في هذه الرواية يتعلّقُ بالطفل زيزا، هذا المعلّم الاستثنائي ! لم أسميه معلّما؟! حسنا إن كان زوربا الشهير بطلا لقّننا تفاصيل أثر الوجود الإنساني ورحلته المستمرة في العبور، فإن زيزا جاء ليبارك رحلة زوربا هذه، لكن من زاوية مختلفة، بالغة العذوبة.
زيزا طفل لم يتم عامه الخامس بعد، مختلف، عبقري وشقي، أو بالأحرى '' شيطاني ''.
تبدو الرواية مألوفة، لا تحوي أحداثا معقدة، ولا حبكة صادمة غير متوقعة، بل كل ما فيها تفاصيل تشبه حيواتنا، وهذا ما جعل هذه الرواية ممتعة وعبقرية، السهل الممتنع.
تدور أحداث الرواية حول مغامرات وتفاصيل يومية من حياة الطفل زيزا، طفل برازيلي من أسرة كبيرة اضطرتها الظروف لمعايشة الفقر وتفاصيله القهرية. حيث أن والده خسر وظيفته، بينما تنهمك أمه في العمل خارجا في مصنع مقابل راتب زهيد، وأخوة تدركهم الحياة كل عبر حكاية سلسة وهادئة.
أما زيزا، فهو بقعة هذه العائلة؛ بقعة سوداء نورانية ! نعم، إن هذا التعارض الصارخ هو ما يمثله زيزا في هذه الأسرة.
حيث أن هذا الطفل كثير المشاكل، لا يكف عن افتعال المصائب والأخطاء والشجارات، وهذا ما يعرضه للضرب ومختلف الشتائم والنعوت من قبل عائلته والجيران وكل من حوله. الأمر الذي يولد بداخله تساؤلات مبكّرة حول معنى الشر والشيطان.
لكن هذا الصبي نفسه هو من تعلم القراءة والكتابة بمفرده، هو ذات الطفل الذي سعى للعمل في تنظيف الأحذية في سن صغير ليساعد عائلته دون أن يطلب منه ذلك أحد، هو أيضا الصبي الحالم الذي يحب الموسيقى والغناء والحيوانات ويكلّم جذع شجرة البرتقال صديقه المقرب.
طرقت الرواية العديد من القضايا، دون أن تبرزها بشكل رئيس، حيث عمد الكاتب لبعثها من خلال تفاصيل بسيطة، على غرار
-
الفقر: عبر إبراز احتياجات الفقراء البسيطة، حتى حين يتعلق الأمر بوجبة طعام، وكم أن الحصول على الرفاهية بالنسبة للفقراء لا يتعدى وجبة طعام !
-
عمالة المرأة: من خلال الاستغلال الذي يقع على النساء في الكثير من الأحيان بجعلهن يتقاضين رواتب ضعيفة مقابل جهد أكبر، كما حدث مع والدة زيزا.
وكيف أن المرأة الأم تنقسم جهودها، خاصة حين تضطرها الظروف للعمل فتجد نفسها مشتتة بين العمل خارجا والاهتمام بتفاصيل بيتها وعائلتها.
-
عمالة الأطفال: عبر قصة زيزا وبحثه عن عمل لمساعدة عائلته.
إنها إشارة لقضية حساسة حول اغتيال مشاعر الطفولة وأحلامهم واقتطافها في سن مبكرة.
-
الفساد: يتمثل ذلك من خلال الممارسات الغير عادلة فيما يتعلق بتسريح العمال، عمالة المرأة والطفل وغيرها من تفاصيل تعكس التجاوزات التي فرضها هذا العالم على الإنسان.
-
الحب والعلاقات العاطفية: من خلال الحديث عن شقيقته، عن أغاني الحب، عن حب زيزا لأمه، وأيضا حبه لصديقه بورتوجا، والأهم حبه للحياة.
-
الطبقية: من خلال مشهدية عشاء الميلاد، احتفالية الفقراء مقارنة باحتفالية الأغنياء، كم أن المسافة بينهما شرسة وموجعة.
كما أن صوتَ زيزا، يبعث العديد من التساؤلات الفلسفية، حول الخير والشر، والحب، والعاطفة، والحزن، والانسانية.
إنه عبر مواقفه العديدة يلقننا التمسك بالكون انسانا قابلا للتغير والترحال. إذ ننسى في خضم هذا التسارع أحقيتنا في الحُلم، في الأخذ، في التريث والتراجع.
قد يبدُو زيزا شيطانا صغيرا، وكثير المشاكل، لكنه حر، إنه الحقيقي الوحيد في المشهد لأنه ببساطة لا يكف عن التساؤل.
تعد الرواية عملا انسانيا بديعا، أهم ما فيه أنه استطاع أن يفتح المجال للقاريء ليمارس الكتابة، للبحث عن معان جديدة، إنه لا يحجمك ولا يفرض أحكاما، فقط يستعرض مواقف وتساؤلات وجودية، ليخلف وراءه نصوصا لم ترو بعد زرعها زيزا فينا.
أظنني سأكون منحازة - عاطفيا - إن سألتموني حول تقييم الرواية، لكن أظن أنا عملا كهذا يستحق 4 من 5. لماذا؟
لأن الكاتب استطاع ببراعة أن يتحدث حول الكثير من تفاصيل الحياة اليومية، أن يغوص في عمق تفكير المجتمع البرازيلي دون ابتذال.
راقت لي طريقة السرد، تنقله بين الأحداث، لم أشعر بالملل، استطاع أن يخلق لكل شخصية لسانا خاصا بها، يعكس طريقة التفكير ومستواهم الثقافي، وانعكاس عواطفهم من خلال الحوار.
من بين الأعمال التي اشتهيت قراءتها بلغتها الأصلية، حتما الكثير من التفاصيل ستبدو حميمية أكثر، لكن هذا لا يمنع إعجابي بترجمة إيناس العباسي التي أراها موفقة ومنصفة للعمل.
اقتباسات راقت لي:
-
يُولد الجميع كما يُحبّوا أن يولدوا. بما فيهم أنت. لكنك لا تُطاق أحيانا يا زيزا !
-
ليس هذا، يا بني، ليس هذا. فليس من السَّهل أن نحَوِّل الحياة بحركة خفة بسيطة.
-
كنت اسمعهم يتحدثون من حولي كنت أفهم كل شيء لكنني لم أكن أرغب في الإجابة لم ارغب في الكلام لم اكن افكر الا في الصعود الى السماء
-
كم كان من السهل الموت بالنسبة إلى البعض.
-
… لما نروي الأشياء للاطفال؟ .. الحقيقة عزيزي بورتوجا، هو أنهم قد رووها لي في وقت مبكر جدا بالنسبة إلي.
حول الكاتب:
خوسيه ماورو دي فاسكونسيلوس كاتب برازيلي من مواليد عام 1920 بمدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل. سيناريست وروائي برازيلي اختص في الكتابة في أدب الأطفال، لكن وبالنظر لأعماله - وبالرغم من أنها حقا تلتفت للطفولة وتفاصيلها - إلا أنها أيضا موجهة للانسان، بشكل مطلق، حيث لا يمكن حصر أعمال " فاسكونسيلوس" في خانة ضيقة وهي التي تفتح آفاق لا نهائية للتأويل.
توفي الكاتب عام 1984 بعد معاناة مع مرض السرطان، مخلفا أعمال تشهد بعبقريته وقدرته الفذة على الوصف.
أعمال أخرى للكاتب:
-
روزينها زورقي الصغير.
-
هيا نوقظ الشمس.
التعليقات :
لا يوجد تعليقات على هذا المقال