الفرق بين القصة والرواية:
بعد الجدل الذي أثاره تصريح الكاتب المصري أحمد مراد حول الفرق بين القصة والرواية، انتشرت العديد من ردود الفعل المتباينة التي أخذت تتفاعل مع ما ورد في تصريحه، الأمر الذي دفعنا لكتابة مقال نتقصى من خلاله مدى صحة ما ورد وأسباب حالات الجدل المثارة بسبب الموضوع.
حول مفهوم القصة والرواية عند أحمد مراد:
خلال حوار في أحد البرامج التلفزيونية، ذكر الروائي المصري صاحب رواية "الفيل الأزرق" أن الفرق بين القصة والرواية يتمثل في كون هذه الأخيرة تحتمل الكذب كما الصدق، لأنها تروى، ومن ثم قد يزود الراوي تفاصيل غير حقيقية لجذب اهتمام المستمعين، أما وعلى العكس من ذلك تكون القصة حقيقية ولا تحمل الكذب، لأنها من قص الأثر، الموجود بالفعل.
في الواقع، يحمل هذا القول العديد من المغالطات التي لا يمكن الاعتماد عليها، إذ أن الفروقات التي ذكرها الكاتب لا تؤسس فعلا لتحديد خصائص هذين الجنسين الأدبيين السرديين. وهو ما نسعى للتفصيل فيه فيما يأتي.
ما الفرق بين القصة والرواية؟
قد يصح القول إن نحن قلنا أن الفرق الأهم بين الرواية والقصة عموما، يتمثل في الفرق بين حجميهما وعدد الكلمات، إذ أن الرواية تكون أكبر حجما في حين الاسلوب السردي في القصة لا يأخذ حيزا كبيرا من الكلمات - إن صح التعبير - حيث لا تزيد غالبا عن ثلاثين ألف كلمة.
لكن هل يكفي هذا لاستيعاب الفرق بينهما؟ وماذا عن ظهور روايات مكثفة قصيرة نسبيا، وهل ثمة أساليب خاصة يختص بها الجنس الأدبي وحده أم ثمة تداخلات معقدة تجعل مسألة الحسم نسبية؟
لأجل ذلك سيكون من المفيد أن نعرج لتعريف كل من الرواية والقصة كل على حدى، ثم نفصل في الفرق بينهما من منظور نقدي وأدبي عميق.
أولا: تعريف الرواية:
تعرف (الرواية Novel) على أنها جنس أدبي، ينتمي للقصص، وتتميز بكونها سردا طويلا، يعتمد على التعريج للتفاصيل العميقة، عبر فصول وحجم كبير نسبيا من الكلمات.
كما تعتمد الرواية على عدد من الشخصيات والحوار، وأحداث متشابكة، ضمن فترة زمنية تتراوح بين ساعات قليلة وسنوات عديدة، بقدر ما تقتضيه طبيعة الأحداث والعقدة الروائية لتعالج قضايا معينة، وعلى إثر ذلك هي تتنوع الرواية بحسب مواضيعها إلى:
-
الرواية الرمزية: وترتكز على بعد الرمزي في الإحالة إلى المعنى، حيث لا تتطرق للمواضيع على نحو مباشر أو واقعي، بل تطرح القضايا ضمن قالب من الألغاز والغموض، فتأتي المعاني ملغمة تحتاج لتعمق من القاريء وثقافة واسعة تمكنه من فك رموزها.
-
الرواية الخيالية: هي رواية فانتازية تعتمد على طرح قصص غير واقعية ورسم أحداث عجائبية من أجل تقديم تصورات فلسفية حول الحياة.
-
الرواية البوليسية: هي رواية تعالج القضايا الإنسانية عبر زوايا الجريمة والتحقيقات القانونية، وهي غالبا تتميز بتسارع الأحداث والغموض والتشويق. لكن هذا لا يعني أنها مجرد طرح سطحي بل كثير من روايات الجريمة تطرح مواضيع عميقة حول الوجود والإنسان والضمير الأخلاقي وغيرها من القضايا الجوهرية.
-
الرواية التاريخية: هي رواية تقوم على سرد منبثق من أحداث تاريخية، ووقائع، يسعى من خلالها الكاتب لإثارة تساؤلات للماضي والحاضر، وربط المسببات بالقضايا التي يرغب في الحديث حولها.
-
الرواية الرومانسية: عموما، تقدم الرواية الرومانسية قصة حول الذوات الانسانية وعلاقاتها مع الكون، الأمر لا يتعلق بقصص الحب فحسب، بل تشمل الرومانسية علاقات الإنسان على نحو عام، حتى تلك التي تربطه بالطبيعة. لكن هذا لا ينفي أن أغلب هذا النوع من الروايات يتعلق بقصص بين الحبيبين ويرصد مشاعرها وتفاصيلها.
-
الرواية الواقعية: إن الرواية الواقعية تستمد حبكتها وشخصياتها من الواقع، ولا نعني هنا أن الأحداث قد وقعت بالفعل، لكنها تحاكي تفاصيل المجتمع، وقضاياه وتفاصيله بعمق وواقعية، فتبتعد عن الخيال والعجائبية والفانتازيا.
هناك أنواع أخرى للرواية، على غرار الرواية المسرحية، والرواية التي تعتمد الوصف الدرامي السينمائي وغيرها من الأنواع.
تجدر الإشارة إلى أن الرواية قد تحمل نوعين مختلفين، في آن فيمزج الكاتب بين الواقعية والرومانسية، أو بين البوليسية والعجائبية وغيرها من محاولات التجريب التي لا ينفك الروائيون يمارسونها في خضم أعمالهم.
ٱ : خصائص الرواية:
برغم أن النقاد حاولوا تحديد الخصائص التي تميز العمل الروائي عن غير من الأعمال الأدبية، وذلك عبر محاولات استنباط جملة من الأوجه المشتركة بين الروايات على مدار تاريخ الأدب، إلا أن هذه الخصائص تبقى قابلة للتحول والتغير المستمر، كما يؤكد عليه مسار تحديد الأجناس الأدبية وتصنيفها.
لكن رغم هذا وحين يتعلق الأمر بالرواية، يمكن تحديد الخصائص الآتية:
-
تعتمد الأعمال الروائية على وصف سردي للملامح والشخصيات والأمكنة وكذلك الأحداث وأبعادها على السياق الدرامي.
-
عموما تعتمد الرواية على ترابط للأحداث وتواتراها ضمن خط زمني.
قد يتعلق الأمر بأحداث متتالية معروضة بشكل متسلسل أو متواتر وغيرها من الأساليب المعتمدة في رسم الزمن في الرواية.
-
من المعروف عن الرواية أنها لا تقدم الشخصيات جاهزة وثابتة، بل يتم وصف تحولات وتطورات أبعادهم الفكرية والنفسية على مدار العمل.
فالروائي الناجح هو الذي يجعلك تكتشف الشخصيات بروية وعبر سرد عميق للتفاصيل وردات الفعل وتشابك الأحداث.
-
تعتمد الأعمال الروائية على الحوار لتوضيح كثير من وجهات النظر والآراء والأفكار على لسان الشخصيات، أو عبر الإشارة لتفاصيل الأمكنة، والطريقة التي يتم عبرها وصف الحدث.
-
يختلف أسلوب الرواية، بما يعتمده الكاتب الروائي، على غرار اعتماده على "الراوي العليم" وغيرها، علما أنه قد يعتمد على تقنيات مختلفة في العمل نفسه، بحسب ما تتطلبه الحبكة الدرامية.
-
ترتكز الرواية على كسر آفاق توقع القاريء، واعتماد تفاصيل مبهمة وغامضة من أجل تحقيق عنصر المفاجأة.
-
غالبا ما يتمحور السرد الروائي على فكرة جوهرية وقضية تشكل مركزية الرواية تتم تطويرها والتعمق فيها.
كما يمكن بعث قضايا ثانوية تخدم أو تكمل القضية الرئيسة.
-
لا يتعلق الأمر في الرواية بمجرد سرد قصصي للأحداث، بل أيضا الرغبة في تغيير الواقع، وبعث تساؤلات فلسفية ووجودية، وطرق القضايا وكذلك التوعية وبث حقائق وغيرها من الغايات العميقة التي يتبناها الأديب.
-
تأتي الرواية ضمن قالب لغوي أدبي يتميز بخصوصيته، وانحيازاته عن اللغة العادية، وارتكازه على جمالية تساهم في التأثير على القارئ، ناهيك عن اعتمادها على إيقاع وأسلوب متماسكين طيلة العمل.
-
تأتي الرواية في حجم كبير نسبيا، وغالبا ما تتسم الروايات بكثرة التفاصيل والشخصيات وانقسامها لفصول عديدة.
لكن هذا لا ينفي أن بعض الروايات تأتي في حجم صغير وضمن فصل واحد فقط، بعض الشخصيات تكتفي بعدد قليل من الأحداث والشخصيات أيضا
ثانيا: تعريف القصة:
تنتمي القصة أيضا للسرد، أين يتم عرض مجموعة من الأحداث بشكل مكثف دقيق ومشوق. قد ترتبط هذه الأحداث بالواقع، أو قد تكون أحداثا متخيلة، لكنها عموما تسعى لبعث عبرة أو فائدة.
تبنى الرواية على أحداث تمت في فترة قصيرة جدا، وتعرف بعدد محدود ودقيق من الشخصيات، واعتمادها على نهاية مفاجئة غالبا دون التعريج للكثير من التفاصيل.
ٱ : خصائص القصة:
-
تتميز القصة كما في الرواية بمجموعة من الأحداث والتي تعد أرضية العمل القصصي، تبنى هذه الأحداث في قالب لغوي يعتمد على مجموعة من الشخصيات الرئيسية والحوار ما بينها.
-
تكون الشخصيات عادة تحمل سمات مميزة وطابعا خاصا مكثفا يخدم الموضوع، ويقوم الكاتب بالتفصيل في صفاتهم وملامحهم من أجل بلوغ أبعادهم النفسية بما يخدم الأحداث والحبكة.
عموما، تعتمد القصة على عدد محدود من الشخصيات، وقد يكتفي القاص، بشخصية وحيدة.
-
لا يمكن تخيل قصة دون بنية زمنية ومكانية تدور فيها الأحداث، حيث تكاد تكون البنية الأهم ومن خلالها يتم الإحالة للعديد من جوانب الحدث، كما أن لها دورا حاسما في إبراز وجهة نظر الكاتب.
-
يكون أسلوب الكاتب القصصي أكثر دقة وبساطة منه عند الروائي، حيث يوظف الصور البسيطة، ولا يكثر من التفصيل والابهام والمجاز، بغية استهداف واضح ومباشر لجوهر الموضوع.
-
بطبيعة الحال، تستهدف القصة غرضا واضحا ودقيقا يسعى من خلاله الكاتب إلى إبلاغ الجمهور من القراء رسالة ما، سواء اجتماعية أو تثقيفية أو فلسفية خدمة لقضية أو فكرة يؤمن بها.
-
ثيمة النص: تتميز القصة عموما بجو عام يسيطر على الأحداث، ويرافقها حتى النهاية بما تفرضه غاية الكاتب وقضيته الرئيسة، قد تكون ثيمة حزينة، أو متشائمة أو متفائلة … الخ.
-
تعد النهاية أحد أبرز أجزاء وعناصر القصة، حيث تتميز بسمات خاصة، على غرار عنصر المفاجأة، حيث تتكاتف عناصر القصة لأجل بلوغ غاية واحدة، ألا وهي نهاية تؤثر وتغرس انفعالا خاصا ومقصودا لدى القاريء.
قد تكون هذه الرسالة أخلاقية أو قيمية أو انسانية تعمل على تسليط الضوء على الوجود الإنساني.
-
تعكس القصة غالبا ثقافة الكاتب وبيئته ومجتمعه، بحيث تحمل تفاصيل وأبعاد مستمدة من الواقع.
بعد الحديث عن كل من القصة والرواية، ما هي إذن أبرز الفروق بينهما؟
كما أشرنا في بداية المقال، قد يتعلق الفرق بين القصة والرواية في كون أن القصة أقصر وأبسط من الرواية، وتركز على واحدة أو عدة أحداث مترابطة بينما الرواية تركز على تطور الأحداث والشخصيات على مدى فترة زمنية أطول.
وبشيء من التفصيل، يمكن القول أن أبرز الفروقات بين كل من الرواية والقصة تتمثل في:
-
تكون القصة غالبا قصيرة الحجم، لا تعتمد على عدد كبير من الكلمات، إذ يتراوح حجمها عددا قليلا من الصفحات.
على العكس من ذلك قد تصل الرواية إلى ألف صفحة، فهي تحتاج للكثير من السرد، والتطرق للعديد من التفاصيل بشكل مطول وعميق.
-
تتمحور القصة في الأغلب حول قضية واحدة، وتستهدف غاية دقيقة وواضحة، بغية ترك انطباع محدد على القاريء، كإثارة دهشته، أو توعيته، أو لفت انتباهه لتساؤلات محددة.
في حين تضم الرواية أحداثا عديدة متشابكة وتتناول قضايا عديدة غالبا، ومبنية على جزء كبير من التعقيد من أجل طرح ومحاكاة تجربة أكثر اتساعا مما قد ترمي إليه القصة.
-
إن الشخصيات في العمل القصصي لا تميل إلى الكثير من التفصيل أو التعقيد، ولا يتم التعريج على أبعادها النفسية بذات الشكل الذي يتم في الرواية.
إذ وفي الرواية تأخذ الشخصيات مساحة كبيرة يتم خلالها التطرق لأدق تفاصيلهم، النفسية والجسمانية، وكذلك رصد تطوراتهم وأفكارهم وعلاقاتهم والتفاعل الذي يتم بينها على مدار الأحداث.
-
تكون القصة مركزة بصورة واضحة، حيث لا تميل لتعدد الأحداث والشخصيات كما ذكرنا، ويتم التركيز على مسار واضح يضم حدثا رئيسا ضمن مسار زمني قصير.
أما الرواية فقد تركز على قضايا عديدة، وقد تتناول أحداث متوازية بنفس القدر من التركيز، وتمتد ضمن أزمنة طويلة أو مختلفة بحيث تحتاج أكثر للتفصيل والإسهاب.
-
توالي الأحداث يكون مباشرا (خطيا) حين يتعلق الأمر بالسرد القصصي القصير، ولا يحتاج لبنى متشابكة ومعقدة.
في المقابل، يرتكز العمل الروائي على البنى المتشابكة والمعقدة، ويحتاج لتنظيم دقيق حتى يمكن ربط الأحداث والشخصيات على نحو متوازن، ويمكن القول في هذا السياق أن الرواية تشمل عدة بؤر قصصية - ان صح القول - تتفاعل وتتداخل فيما بينها.
-
تكون النهايات في القصة غير متوقعة، وذات طابع مفتوح وغامض، يحمل القارئ على الدهشة ويرمي به إلى ساحة التأويل المفتوح.
أما نهاية الرواية فتكاد تكون أكثر منطقية ورتابة كنتيجة متوقعة من قبل القاريء لجملة الأحداث، حتى وإن أخذت طابعا فجائيا فإنها تبقى أكثر سلاسة منه في القصة.
هل أصاب أحمد مراد ؟!
من خلال ما سبق، يبدو أن تصريح أحمد مراد (فيما يخص الفرق بين القصة والرواية) جاء بعيدا عن الواقع، ويحمل بعض المغالطات التي أفقدت خصائص كل من الرواية والقصة.
@gcyugu
Good 👌