هل ستختفي الكتب:
لم يكن من السهل الحديث عن اختفاء الكتب في وقت سابق، كيف والكتب ظلت طويلا العماد الرئيسي لكثير من دروب الحياة العلمية والدينية والثقافية وغيرها من مجالات الحياة، والوسيلة الأهم لنقل ونشر المعارف والمعلومات.
لكن وفي الوقت الذي عرف فيه العالم سيطرة الحياة الافتراضية واللغة الرقمية، أخذ الحديث بشكل جدي عن مدى تمكن الكتب من مواكبة هذا التسارع والتحول، وهل يمكن أن تختفي الكتب يوما ما ؟
الكتب في عصر الرقمنة !
من المعلوم أن الكتب الورقية قد تراجعت بصورة لافتة في أواخر القرن الحالي، في ظل تهافت الأشخاص على اقتناء الأجهزة الالكترونية والألواح الرقمية، الأمر الذي تسبب في عزوف هؤلاء عن اقتناء الكتب واستبدالها بما يرونهم - حسبهم - أسرع وأكثر خفة !
ولأجل ذلك، تم اللجوء للنسخ الرقمية للمؤلفات، على غرار الكتب بصيغة pdf، بل وتخصيص لوحات خاصة بالقراءة كأجهزة (كيندل) وغيرها والتي سعت لمواكبة التطورات وجعل القراءة هي الأخرى أمرا سلسا لا يحتاج سوى لنقرة زر !
ولعل هذا ما يفسر تراجع قيمة النشر الورقي، بل واضطرار بعض دور النشر لاعلان إفلاسها، وتغيير نشاطها، وانتشار المكتبات الالكترونية.
لكن نحن وحين نثير قضية اختفاء الكتب، فنحن لا نقصد فحسب هذا التراجع الذي عرفه سوق الكتب الورقية بل نحن نعالج قضية أكثر أهمية وهي تلاشي (الكتب) تماما !
نعم، ما قرأته صحيح، إن العالم اليوم يتجه نحو التخلي عن الكتب، بعبارة أخرى عن اللغة المكتوبة تماما، إذ أن الكتابة أخذت تغلف بصفات (القديم) (التقليدي) مقابل الرقمي والمصور.
ربما قد يكون لهذا الأمر وجه إيجابي من حيث كون العالم يحتاج بالفعل للتسارع والجديد والمحدث، ثم إن فكرة التطور تبقى مغرية دوما، لكن حين يتعلق الأمر بالكتابة يصبح كمن كسر حلقة وصل مهمة في سلسلة التواصل، فماذا نعني باختفاء الكتابة؟ وكيف يتم ذلك ؟
كيف تختفي الكتب؟
يؤكد الخبراء أن التسارع الذي يشهده العالم في كل شيء سيغير ملامح الفكر العالمي برمته، وهو ما تدل عليه التوجهات الجديدة والأفكار والأخبار المتصدرة، حيث تحول الاهتمام نحو الأخبار السريعة والمعلومات العابرة، والصور المتحركة ومقاطع الفيديو، الأم الذي جعل المخاطبة المباشرة تحل محل فعل الكتابة.
كما تؤكد التجربة أن الأشخاص باتوا يفضلون سماع المعلومة وليس قراءتها، ولعل هذا ما ساعد على انتشار الكتب الصوتية.
من جانب آخر، يحذر علماء اللغة من تلاشي منظومة الكتابة في ظل كل هذه التحولات الفكرية والثقافية، حيث يمكن ملاحظة أن أشكال السرد نفسها أصبحت مغايرة عما ألفناه، حيث أضحى اللجوء للومضات السريعة، والسرد المشهدي الذي يعتمد على لغة النصوص السينمائية، وأيضا أضحى طرح الأفكار عشوائيا عبثيا وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على جملة التحولات التي طرأت على الاستعمال البشري للغة، ولعلها ملامح الفكر (ما بعد حداثي) الذي أخذ يقتلع كل شيء من أصوله ويبعثره، هذا الأمر طال الكتابة واللغة أيضا، إنها تتغير وتتشكل من جديد وبات من الصعب توقع إلى أين سيبلغ الأمر.
بديل الكتابة!
هل يمكننا إذن الحديث عن بدائل للكتابة؟ وما مصير التواصل الانساني في حال ثبوت اندحار اللغة المكتوبة؟
يتم اليوم بالفعل تصدير بدائل للغة المكتوبة وهو ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل من أبرز تمظهراته:
-
انتشار المقاطع التصويرية: راج مؤخرا تصدر مقاطع الفيديو لمواقع التواصل الاجتماعي، حتى خصصت تطبيقات هامة لأجل ترويجها مثل "اليوتيوب" و "التيك توك" وغيرها من المنصات التي اعتمدت على الصورة والفيديو لنقل المعلومات والأخبار ومختلف الأفكار حتى أكثرها دقة وخصوصية.
اليوم، يلجا أغلب الأشخاص لترويج "قصصهم" عبر التصوير للكتابة، "tell your story" عبارة لم تعد تختص بالقصص المألوفة، بل بنوع آخر من السرد، المقاطع المصورة.
كذلك نرى أن خاصية البث المباشر أضحت وسيلة الكثيرين للبوح، فما عليك فقط في الظهور (لايف) لأجل الحديث والتواصل مع الآخرين الذين يمثلون فئة الجمهور، لم يعد ثمة قاريء بل متفرج !
-
الايموجي، عودة اللغة المصورة !: يشبه الكاتب الأردني "رامي أبو شهاب"، في كتابه (الأنوات المشوهة ) الايموجي أو الوجوه التعبيرية والصور تكاد تشبه لغة الانسان البدائي الذي كان يلجأ للرسم والتصوير على الجدران كلغة يعبر من خلالها عن أفكاره وتاريخه وما يرغب في تبليغه من رسائل، ما يجعل العودة إلى التواصل عبر الصور أو الرسم ممثلة في (الايموجيز) أمرا غير مستبعد، خاصة وأنا البعض يفضلها لأنها قادرة على الوصف والتعبير عن مختلف المشاعر بل والملامح بيسر وسهولة.
كما ان استعمال الوجوه التعبيرية يختصر الكثير من الوقت على عكس الكتابة بالنسبة للبعض، فهل سيزيح الايموجي الحروف المكتوبة جانبا؟
-
الاختصارات والرموز: يتم الاعتماد على الاختصارات اليوم بشكل مكثف بدل كتابة الجمل الطويلة والكلمات كاملة، وينطبق الأمر على اللغات كلها حيث تجد أن البعض يلجأ فقط لبعض الحروف ليعبربها عما يرغب في قوله.
المثير أن الأمر بات عاما ومفهوما من قبل الجميع، ما يشكل لغة ثانية موازية للغة الرئيسة، وهذا الاختصار كفيل لتراجع استعمال الكتابة، لأنه يقتصرها، وعموما يبدأ الزوال بالاختصار !
عالم بدون كتب ..
برغم أن ما يتم تداوله حول اختفاء الكتب يبدو منطقيا بل ووشيكا، إلا أن هذا يشعرنا بنوع من التجريد المبالغ فيه، فأن يجرد العالم من الكتب المكتوبة يكاد يلغي شعرية هذا الكون وايقاعه المنتظم.
فالكتابة تضفي على الوجود هدوءا واتزانا يبقي الانسان على السكينة والتريث، كما يمنحه براحا هاما من أجل التفكير والبحث والمراجعة والفهم، في حين أن ما نلحظه من تسارع فإنه يتسبب بشكل صارخ في حالة الشتات والارتباك والتشوش التي تصيب المرء اليوم.
وعليه، يبدو وبرغم أن كل شيء يتوجه نحو إزاحة الكتب بالفعل، إلا أنه ثمة فئة تبقى متمسكة بحميمية الكتابة وترتبط بها وتشجع على استمرارها لأجل حماية الطبيعة المتدرجة للفهم الانساني للمعاني والوجود.
ماذا عنك، هل تتوقع اختفاء الكتب؟ وما رأيك في ذلك ؟
قائمة المصادر والمراجع:
التعليقات :
لا يوجد تعليقات على هذا المقال